الاثنين، مارس 01، 2010

رسائل البحر






فسحة من الوقت اتيحت لى فترجلت متسكعا فى شوارع وسط البلد ووجدتنى امام دار السينما وافيش فيلم رسائل البحر امامى ينادينى وكالمنوم بالمغنطيس انتهيت جالسا امام الشاشة الكبيرة
افسدت على نفسى متعة مشاهدة الفن السينمائى الذى امتلك زمامه داوود عبد السيد من مناظر وتمثيل واضاءة وظلال بالغوص فى بحر الالغاز التى مثلت عمقا لما طفا على السطح ، والفيلم كما فهمته ما هو الا فيلم مواطن ومخبر وحرامى فى ثوب جديد فهو هو الشاب السلبى العاجز عن التفاعل مع المجتمع بل ان المجتمع ليقتحم عليه حياته ويجوس فى خصوصياته وهو واقف يتفرج على ما يحدث كأنما يحدث لشخص اخر
بطل فيلم رسائل البحر اسرياسين شاب قد يمثل جيل كامل من شباب مصر قد انقطع عن جذوره ( وفاة ابيه ) فوجد نفسه وحيدا وحرا فى الدنيا فخاض فيها بلا تمهل بل اغترف منها ما وجده امامه بتهور ( رمز داوود الى الدنيا او مصر ان شئت بالخمارة التى يلتقى فيها نماذج عديدة ومتناقضة من الشخصيات ) فيلتقى بقابيل البودى جارد الذى له مظهر البلطجى المخيف ولكنه ذو قلب رقيق لا يستطيع ايذاء ذبابة ( نفس دور محمد لطفى فى فيلم كباريه ) ولست ادرى ما هو المغزى وراء الاسم وهل المقصود هو قابيل ابن ادم الذى اقترف اول جريمة قتل ثم ندم ام هو الاخ المغدور لست ادرى وعلى العموم فان داوود يستعمل هذه الشخصية كحارس (؟؟؟؟؟) للخمارة والتى ترمز الى الدنيا او الى مصر والحارس يعانى من ورم بالمخ يحتاج لعملية جراحية سوف تمحو ذاكرة قابيل لذلك فهو يهرب من العملية ولكنه فى النهاية و ليحافظ على التاريخ يلقن كل ذكرياته الى بيسه غانيه الكباريه (!!!) ، ويرتبط يحيى بطل الفيلم بالبحر فيصطاد منه السمك ليبيعه ويعيش والبحر يمنحه الرزق فيعيش فى سعه واحيانا يمنع عنه رزقه فيجوع
 ومستويات الرمز للبحر فى الفيلم متعددة فيحيى عند وصوله لاول مره للاسكندريه يفتح الشباك المطل على البحر ويقف يواجهنا بظهره فيكون المشهد مماثل تماما للوحة سلفادور دالى الشهيرة امام النافذة ولما كانت اوروبا على الناحية الاخرى من البحر فكأنما يقف يحيى ليطل على اوروبا مصدر الحضارة الذى يمد مصر بالثقافة وكذلك على نفس النحو نفهم الرسالة الغامضة فى الزجاجة فهى بحروف لاتينية ولكنها بلغة غير معروفة وهى رسالة اختص بها البحر يحيى ليفسرها فلم يستطيع
وكان يحيى عاجزا عن الكلام مع الناس بسبب تأةتأة وتلعثم فى نطقه للحروف ولكنه قادر على الحوار مع نفسه ومع العالم عن طريق الموسيقى لغة المشاعر التى تعوض عن الحوار مع البشر وهنا تقفز الانثى الى حياته (بسمه) وتفرض نفسها عليه وتتظاهر بانها مومس مع انها زوجة ثانية لرجل اعمال يعتبر نموذج لطبقة لرجال الاعمال الاثرياء الجدد الذين يشترون الاشياء والناس باموالهم  وقد تكون قد اوهمته بانها مومس للحصول على الحرية المطلقة فى العلاقة الجنسية التى تتورع السيدات المصريات فى العادة عن اظهار شعورهن الحقيقى وهن يمارسنها
وعندما يجد الفتى الانثى التى تخاطب جسده وغرائزه ويشعر بالسعادة فلابد هنا ان يتدخل الشيطان ليخرجه من الجنه ، والشيطان هنا هو النموذج المفضل للمثقفين فهو من يتستر بالدين وهو فى الحقيقة بدون اخلاق ليفعل ما يحلو له فهو يصطاد السمك بالديناميت ويقرر ان يخرج يحيى من العمارة فيقدم التفاحة ليحيى فى رمز مباشر ليخرج من العمارة ( الجنه ) التى اشتراهافيرفض فيتوعده بان يخرجه بالقوة
ويستطيع الحاج هاشم صاحب العمارة الجديد ( لاحظ دلالة الاسم على امرين اولهما الدلالة اللغوية فالهاشم هو الذى يهشم اى المحطم او المدمر او الدلالة على الفتح الاسلامى لبنى هاشم لمصر الذى بدل دين البلاد )يستطيع الحاج هاشم ان يخرج الاسرة الاجنبية من العمارة فى اشارة الى ان الثقافة الاوروبية لايمكن ان تتعايش مع ثقافة المتستر بالدين السائدة وبالرغم من النموذج الذى قدمه داوود عن علاقة الاجانب المشوهة بالمصريين متثملة فى العلاقة الجنسيةالشاذة بين البنت الايطالية وعشيقتها المصريةالا انه يشعرنا بالحزن من خروج الاجانب حاملى مشعل الحضارة ( فى رأيه) على يد الثقافة الوافدةالتى تتستر بالدين
فى النهاية ينجح الحاج هاشم فى طرد يحيى وعشيقته من المنزل ولكنه ( يحيى )يركب قارب النجاة فى وسط البحر المليء بجثث الاسماك النافقة المشهد الذى يذكرنا بالفيلم القديم يوم خروج الاسماك لاحد المخرجين القبارصةعام 1967، ما لم استطيع تفسيره لو كان هناك تفسير له هو اسم قارب النجاه وقد اختار داوود عبد السيد اسم القدس للقارب مع رسم لعين تنظر محدقه للامام ، والقدس مدينة مغتصبة او هى مدينة الانبياء ورسالات السماء فقد يريد الاشارة الى ان الحل لازمة يحيى فى اللجوء الى الدين فلو كان ذلك كذلك لكان داوود قد اخرج فيلما كوميديا
عموما لاانصح احد يشاهد الفيلم ان يفسد متعة المشاهدة كما افسدتها بمحاولة فهم ما يريد داوود عبد السيد فقط تمتع بالفيلم ومناظره و تمثيل الابطال الجميل واستمتع كذلك بموسيقى البيانو الجميلة

ليست هناك تعليقات: