الأحد، يونيو 28، 2009

من الشرفة

اقترب الفتى من حاجز الشرفة  وقد انتصف النهار ، انحنى واعتمد بمرفقيه على حجارة الحاجز التي قشرها تناوب الفصول ، كان يشعر بالملل ولم يدرى أين يذهب فكل معارفه يستيقظون عند العصر ، دار بناظريه على النوافذ والشرفات حتى توقف عند المنظر الغريب الذي جعله يتجمد في مكانه ويحبس أنفاسه

كانت جالسة على ارض الغرفة في  شرفة الشقة السفلية من المنزل المجاور وهو فوقها تماما فلم تشعر به كانت جالسة وقد كشفت عن ساقيها وفخذيها في نور الشمس وانهمكت في  فرد المادة اللدنة على جلدها الأسمر  لتغطى اكبر مساحة ممكنة ثم تنزعها بسرعة وبقوة وهى تشهق بصرخات مكتومة  تكررت عملية الفرد ثم الانتزاع مع الشهقات والصرخات  واندفع قلبه في ضخ الدم إلى جسده ورأسه بقوة وتضخمت دقات قلبه في إذنيه مثل الطبول ، لم تكن واحدة من أفراد الأسرة التي تقطن الشقة فهو يعرفهم وقد عاشوا زمنا جيران ، كانت فتاة غريبة عن الأسرة ربما كانت قريبة لهم في زيارة واختارت تلك الشرفة التي تغمرها الشمس لتنظف ساقيها من الشعر وكانت منحنية برأسها فلم يرى سوى شعرها الأسود الخشن ، تمنى لو ترفع رأسها ليرى وجهها  فعنده مقاييس للجمال تبدأ من الوجه ومهما كان جسد الفتاة التي  يقع عليها بصره جميلا ومثيرا ألا انه لم يكن ليهتم ألا بذات الوجه الحسن جميل القسمات

ثار في عقله ألف سؤال بدون إجابة، من هي ؟ كم تبلغ من العمر ؟ هل تتعمد تعرية نفسها لشخص ما ليرى جمالها أم  تستعرض جسدها على الملأ ؟ هل تتصرف بتلقائية وقد اطمأنت إلى عدم وجود احد خلف النوافذ المغلقة التي تطل عليها ؟

من خلفه جاء صوت أمه : ادخل، الشمس حامية

انتفض في مكانه وتراجع إلى الوراء ثم  نظر بإمعان إلى كل النوافذ والشرفات المحيطة به فلم يجد أحدا يراقب تلك الفتاة ، تسلل مرة أخرى واطل بحذر إلى أسفل فلم يجدها ووجد باب شرفتها مفتوحا ولكن ستارة شفافة قد أسدلت  ، انتظر قليلا وركز بصره على الستارة التي اخذ يحركها الهواء فتكشف قليلا عن ما ورائها ثم تعود لتستقر بين ضلفتى الشيش تحجب ما ورائها

يا أبنى ادخل الشمس نار

استدار ودلف إلى الداخل وقد اشتعلت به نارين ، نار الرغبة تحرق جسده ونار الفضول تشوى عقله

مر على هذه الحادثة أكثر من عشر سنوات ولا يزال كلما خرج إلى الشرفة يلوى عنقه تلقائيا إلى شرفة الجيران ولكن الفتاة لم تعد للظهور مرة أخرى

 

الأربعاء، يونيو 10، 2009

الدكتورة عزيزة

انا اسمى الدكتورة عزيزة ، دكتوارة فى ادارة الاعمال من امريكا ، اول اجتماع مع اعضاء مجلس ادارة مؤسسة الاستثمار العقارى اللى تعاقدت معايا كرئيس مجلس ادارة والعضو المنتدب ، لازم مسميات الوظائف تكون بصيغة المذكر من موروثات البيروقراطية البالية اللى لازم تتغير

اعرفهم كلهم من تقارير الامن السرية اللى فيها كل تفاصيل حياة الاعضاء اللى سهرت اسبوع كامل اذاكرها ، لازم اعرفهم كويس جدا اكتر من معرفتهم لانفسهم امال ده انا عزيزة والاجر على الله ، ، اكيد انا كمان الامن عامل تقرير عنى وعن جوزى وعن اولادى وكل العيلة

حاجة مزعجة جدا ياترى اللى بيكتبوا التقارير دى ناس اسوياء ولا عندهم مشاكل نفسية ؟ يا ترى بيستمتعوا بتتبع الفضايح وكشف العورات وبيهتموا بغرف النوم واللى بيحصل فيها اكتر من اى نشاط تانى ، لازم يمسكوا لكل انسان ذلة

الاستاذ حمدى اول الجالسين على يمينى مليونير عنده اسطول مرسيدس وشاليه فى العين السخنة ، مصادر ثروته غير معروفه على وجه التحديد وان كانت التقارير بترجح ان له نشاط فى تجارة غير مشروعة وبيغسل امواله فى البورصات

كتير جدا حاولت اخلى شوقى جوزى يستثمر فى البورصة وهو رافض على طول الخط ودايما يقول انا مشغول ومعندوش وقت للبورصة وكل الفلوس اللى بعتها له من امريكا مسحبش منها ولا مليم وزى ما هى فى حساب البنك المشترك

الاستاذ حمدى عمره 54 طويل ونحيف وشعره كثيف على غير العادة وواضح انه بيعتنى بيه ويفرقه من الجانب الايسر

فكرنى بعصام ايام الجامعة كان شعره بالضبط زيه بس كان لونه فاتح وكنت دايما اطرد الفكرة اللى بتسيطر عليا لما اشوفه انى امسح بايدى على شعره واحس بنعومته

الاستاذ حمدى نشاطه الاجتماعى محدود ولما يكون فى القاهرة ما بيروحش غير النادى الاجتماعى المقفول على اعضائه للعب البريدج وزوجته حسب التقارير حسنة السمعة ومتدينة للغاية ذهبت للعمرة والحج مرات عديدة و مخلفوش اولاد

مدام نرمين اول الجالسين على يسارى عمرها 49 ، ارملة ورثت ثروة من العقارات والاراضى ، لها علاقة قوية مع المحامى ووكيل اعمالها فى نفس الوقت والغريب ان التقارير ماوضحتش ايه نوع العلاقة دى وهل هى غرامية ولا مجرد علاقة عمل وده يخلينى اشك فى اللى كتب التقرير انه اما معجب بيها او بيقبض منها

ونرمين لها بنت واحدة تدرس فى الجامعة الفرنسية ودى بقى صايعة وعلى حل شعرها مع شلتها من اولاد وبنات الاغنياء وبيعملوا كل حاجة بدون حساب

من التفاتات نرمين الحادة وضحكاتها العالية خمنت انها عصبية وطبعا اى ست فى السن ده لازم تكون عصبية خصوصا مع احساسها الدائم بالسخونه والهبو اللى طالع عليها

الحمد لله لم تحدث عندى اى مشاكل بعد انقطاع الدورة بعد ما عشت سنة كاملة فى قلق وخوف من التغير الهرمونى وشوقى عمره ما شعر بالفرق ، ربنا يخليه ليا من غيره ما كانش البيت ممكن يمشى لكن طبعا انا موش باصرح له بكده مع انى عارفه انه بيراعى البيت والاولاد علشان هو بيستمتع بكده لكن دايما اقاوم رغبتى فى انى اشكره و احسسه انى ممتنه له مع ان ده بيتعارض مع اخلاقى والحاجات اللى انا مؤمنة بيها ، لكن فى دايما فى نفسى شك من ناحيته واكيد دى مجرد وساوس ، طبعا انا عارفه كويس كلام ماما ويمكن كل الستات عن خيانة الرجال والاحتياط بكل الوسائل للساعة اللى بتواجه ستات كتير لما تكتشف انه بيخونها او اتجوز عليها فى السر

بعد الاستاذ حمدى بيقعد الدكتور حسن متولى طبيب امراض النساء الشهير التقارير بتقول انه ناجح جدا فى عمله فى الجامعة والعيادة ولكنه فاشل فى حياته الزوجية ، تزوج وطلق ثلاث مرات وانجب ولدين وبنت اكبرهم حاليا طالب فى كلية الطب وعلاقة الدكتور متولى متوترة جدا مع ابنه الكبير اللى بيعيش لوحده فى شقة صغيرة فى مصر الجديدة

يا رب خلى لى اسامة وسامح بالرغم من كل المشاكل اللى مرينا بيها الا انهم عمرهم ما علوا صوتهم عليا ولا على ابوهم

ثروة الدكتور متولى معروف مصدرها ومعظمها من عمله فى الكويت ومن عمليات الولادة اللى لازم تكون قيصيرية ما فيش واحدة بتولد عنده طبيعى ابدا

لسة فاكره الدكتور فريد بعد ما ولدت ابنى البكرى وهو بيضحك وبيقول لزوجى انى بعد الولادة والفضل يعود الى مهارته فى خياطة الجرح حابقى معاه احسن من الاول ساعتها شوقى كشر فى وشه ورمى له الفلوس على المكتب وقعد يشتم ويسب بس انا كنت فى قمة الفضول اعرف هل كان الدكتور فريد بيتكلم جد ولا هزار

التقارير كمان فيها معلومات عن عمليات الترقيع والاجهاض اللى بيعملها الدكتور متولى وبيكسب من وراها مبالغ طائلة لانه زباينه من بنات وسيدات الاثرياء والمليونيرات

بعد الدكتور حسن متولى يجى مكان الحاج حمادة الراجل العصامى صاحب محل الادوات الصحية فى الفجالة اللى ورثه عن ابوه وفضل انه يقف فيه بالرغم من تخرجه فى كلية الهندسة

الحاج حمادة خدمه الحظ فى صفقات الاستيراد للخلاطات واطقم الحمامات اللى استوردها من اسبانيا والمانيا وباعها بمكسب رهيب لشركة مقاولات قطرية بتبنى فيلات وقصور فى مصر والصفقات دى مشيت معاه كويس لانه صديق صاحب المكتب الاستشارى المشرف على اعمال الشركة القطرية اللى زى المنشار طالع ياكل من الشركة ونازل ياكل من الموردين

فى التقرير الامنى حاجة مثيرة وهى ان جهة اجنبية ويمكن تكون المخابرات الامريكية بعد 11 سبتمبر طلبت وضع الحاج حمادة تحت الرقابة 24 ساعة فى اليوم ومراقبة تليفوناته ولكن مافيش اى اجراء اتاخد ضده

قلبى وقع فى رجليا لما حصل الهجوم على ابراج نيويورك بالرغم من وجودى فى بوسطن موش انا بس كل العرب تشأموا وتوقعوا المشاكل ولما علقوا لى ورقة على العربية مكتوب فيها ارهابى قررت انى ارجع مصر فورا

اخر واحد هو الصيدلى شحاته الشهير بالخواجة شحاته على عادة اهل الصعيد فى التعامل مع الاقباط ، الخواجه شحاته على علاقة وثيقة بالكنيسة وهو مليونير وابوه كان صايغ وتاجر ذهب مشهور فى اسيوط ولاتوجد اى شبهات على مصدر ثروته ولكن علاقته بالكنيسة هى اللى مخلياه تحت انظار الامن باستمرار

لما كنت فى امريكا كان لى اصدقاء كتير من الاقباط كانوا طول الوقت بيشتكوا من اضطهاد الاقباط فى مصر مع انها بلدهم فى الاصل وكتير منهم كمان كانوا بيشتكوا من تشدد الكنيسة فى مسائل الطلاق و زواج المطلق ومنع البابا لهم من الحج للقدس

والخواجه شحاته له طموح سياسى ومدمن الترشح فى انتخابات مجلس الشعب لكن بيسقط كل مرة ومع ذلك ما بيحرمش

الساعة دلوقتى عشرة بالضبط ، بسم الله نفتتح الجلسة

انا اسمى الدكتورة عزيزة زى ما حضراتكم عارفين ..........

الأحد، يونيو 07، 2009

روتين

الاصوات من حوله تقرع اذنيه ، تلفاز ونقل المقاعد حول المنضدة ابواب تقفل وتفتح يود لو استطاع سماع حفيف اوراق الشجرة الذى يرسل السلام الى هبات النسيم الضعيف، يطل على شجرة من النافذة ، الفروع والاوراق الخضراء تمنعه من الرؤية الى مسافة ابعد

اضواء تتسلل من خلال الفروع والاوراق ، يكره ضوء النيون ، لاحظ ان الجيران يستبدلون مصابيح الصوديوم الصفراء بالمصابيح الانبوبية التى تبعث ضوء الفلورسنت ، يفضل اباجورة على يساره بالرغم من الصهد الصادر عنها والحشرات التى تحوم حولها

النمل يحب المطبخ ، يبذلون جهدا فى نظافة الارضية والحوائط ومسح االاسطح الرخامية بعناية من ذرات السكر ولكنه لا يمل من السير على الارض فى طوابير تتقابل فتسر اول نملة فى الطابور القادم من اليمين شيئا الى اول نملة فى مقدمة الطابور الاخر ثم يتفرق الطابوران كل الى هدف ما ، واضح ان النمل الصغير اكثر جدية وتنظيما من النمل الكبير ذو البطون الكبيرة والاجنحة فهو اكثر كسلا و لا يفضل الطوابير ، النمل ايضا طبقات العبيد يسلكون فى نظام والسادة كما يحلو لهم

القطة السوداء تنتظره كل صباح تمسح نفسها فى رجليه وهى ترفع ذيلها الى اعلى ولا تموء تجرى امامه على خط زجزاج وعندما يصل الى السيارة تتوقف وتنظر اليه طويلا ثم تغمض عينيها كأنها ترسل اليه رسالة ما ، يغمض عينيه لها فى محاولة منه للتحدث بنفس اللغة وهو قلق ان يسخر منه الحارس ، كان دائما عندهم قطة ،القطة فى الشقة ذات شخصية مستقلة تأخذ قراراتها بدون مراجعة ولا استئذان وعندما تشبع تجلس على حجره تقرأ وتسبح ربها يمسح على رأسها وتحت ذقنها فترفع له عينيها وتغمضهما فيفعل مثلها فترهف السمع باذنيها المشرعتان فعرف انها لغة العيون

الحارس سهر طول الليل يشرب الدخان المخلوط بالعسل وعندما يسفر الصباح يبدأ متثاقلا فى دفع السيارات المتراكمة ليستطيع من عاد مبكرا فى الليلة السابقة الخروج بسيارته الى الشارع الرئيسى ، الحارس يدفع السيارات بقوة حتى تصطدم ببعضها فتنبعج لوحات الارقام ويعود الى دفعها الى الخلف مرة اخرى ، كشك الحارس خشبى حالك اللون ومن حوله تناثرت اطارات قديمة وعلب زيت فارغة واوانى بلاستيكية يعلوها شحم اسود وقصعة حديدية بها فحم ورماد واغطية سيارات ممزقة

حراس السيارات القرويين النازحين من الصعيد والدلتا فضلوا الحياة السهلة فى المدينة والبقشيش الذى يتيح لهم لف الاوشحة على رؤسهم وتدخين المعسل بينما تعمل نسائهم فى تنظيف شقق السيدات البدينات اللائى يبذلون الجهد فى تنعيم كعوبهن وطلاء اظفارهن

ينظر امامه متشاغلا بالنظر فى مرآة السيارة وهو يدعو فى سره ان ينجو من حديث جاره الممل ، جاره متقاعد تعدى الستين وقد نصب نفسه مسئولا عن مرآب السيارات وهو لا يتوقف عن الشكوى من كل شيء ولكن صاحبنا لا تشغله تلك الامور فيبتسم له ويغمغم بكلمات مبتورة ويسرع فى الابتعاد عنه

على مدخل البناية التى يعمل فيها يقف العامل يكنس الارض فى اتجاه الموظفين يكتم انفاسه ويهش الغبار بالجريدة ويتكلم فى همس مع نفسه : كل يوم يا فوزى؟ كل يوم ؟

يتحرك المصعد الى اعلى وقد انحشر داخله فيكتم انفاسه حتى لا تصل روائح النساء الزاعقة الى انفه ، يصل الى الطابق الذى يقع فيه مكتبه يجاهد حتى يخلص نفسه من اجساد راكبى المصعد وهو يتمنى ان يسلم حذائه من النعال، ينظرون اليه فينظر الى الارض ويمشى ليجلس خلف مكتبه يدور على مقعده ليواجه النافذة الشرقية التى تطل على الكوبرى والكنيسة والمقطم فى الافق ، تدق اجراس الكنيسة يوم الاحد اول الاسبوع ثم تنبعث الاغانى من الكافيتريا الملحقة بها ويصيح الميكروفون رقم ثمانية رقم ثمانية همبرجر وبيض وطلب الكفته كمان نص ساعة

فى اخر الغرفة تنبعث تلاوة قرآنية ، يتململ صاحبنا فهو يريد ان يلقى نظرة سريعة على الجريدة ولكنه يتردد فهو يعتقد ان التشاغل عن التلاوة فيه معصية

"وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "

يغرق فى مراجعة كميات الاعمال المنفذة يعدل بعضها ويكتب ملاحظات ثم يوقع فى اخر الورقة يلقى بها الى السكرتيرة لتدور من مكتب الى اخر

طعام الافطار عند الظهر الجبن الرومى والعيش الفينو احيانا يقترح الساعى طعمية محشية شطة من عند البغل يرحب بالاقتراح بشرط ان يكون الخبز مغلف فهو ذو بطن لا تتحمل وهو لا يتصور فكرة دخول الكابينيه فى اى مكان خلاف منزله

يمضى يوم العمل بسرعة بعد صلاة الظهر ويتمنى ان يذهب الى السينما وسط البلد ولكنه يعدل عن الفكرة ليتجنب عذاب البحث عن مكان للسيارة وقلقه الدائم من عدم اللحاق بالفيلم من بدايته وكراهيته الشديدة لحامل المصباح الذى يصر على مرافقته الى مقعده حتى والنور مضاء قبل اظلام قاعة السينما وهو يريد ان يدفع له المبلغ المناسب بدون زيادة تجعلة مثل الاحمق الساذج ولا نقص يدفع حامل المصباح الى النظر اليه فى حنق

يصل الى مرآب السيارات عند منزله وهو يشعر بالارهاق يتجاهل حارس النهار الذى ينبهه كل مرة الى ترك فرامل اليد ووضع الفتيس فى النيوترال

ينظر الى اسمه على باب على باب الشقة يدير المفتاح ويدخل