الاثنين، يونيو 27، 2011

الدهماء والمومياء


عندما بسط الدهماء السيطرة على الطرقات واقاموا قدسا للاقداس فى الباحة الرحبة اسقط فى يد الكهنة واجتمعوا فى صحن الهيكل يتشاورون
قال قائل منهم فلنرسل اليهم الجنود فلا طاقة للدهماء بهم و قام الاخر معترضا وقال نخشى الاعداء على الحدود وانقسم الكهنة الى فريقين وكادوا يقتتلون
حينئذ قام حامل المفاتيح وقال بل نقدم لهم قربانا لعلهم يرجعون الى بيوتهم ، فقد اعتدنا تقديم القرابين للالهة والفراعين والان تبدل الحال واضحى الدهماء هم الالهة فلنقدم الفرعون لهم قربانا
ذهبوا جميعا الى البلاط ونظر اليهم الفرعون فى ريبة وخفق قلبه المريض لما رأى انهم له لا يسجدون ، ولما عرضوا عليه الامر قال دعونى اخرج من المدينة فرد عليه حامل المفاتيح بل تذهب الى الضاحية فتكون فى حراستنا فلا يصلون اليك ، و من اجل ذلك يجب ان تكون فى معية الاله انوبيس فارتعد الفرعون وقال بل هو اله الموتى قالوا لاتخف سوف يكون لك معه الخلد ومعك الصولجان و الذهب والحلى التى هى لك الان
ولما انصرفوا  تركوا حامل الاختام ومعه الاطباء فى  انتظار ان يذهب فرعون الى سرير النوم وعندما ارتفع صوت شخيره ذبحوه واخرجوا احشاءه و القوه فى حوض التحنيط ولفوه بالشرائط البيضاء وحملوه الى الضاحية ووضعوا المومياء  فى تابوت من الزجاج
ذاع الخبر فى المدينة فعلا الصخب والضحك وارسل الكهنة  الى الدهماء بعربات محملة بالنبيذ انكبوا عليها يشربون ويصخبون ولما امعنوا فى السكر حضر الكهنة فى ثيابهم وحليهم وجنودهم فسجد لهم الدهماء وقالوا لقد طلع الفجر ياله من حلم جميل وغريب دعونا نرجع لبيوتنا ونسائنا واولادنا فهم ينتظرون الطعام

السبت، يونيو 04، 2011

مصر المستقبل


يحدثنا الدكتور جلال امين فى كتابه الجميل " ماذا حدث للمصريين " فى باب الاقتصاديون المصريون كيف نشأ الرعيل الاول من المفكرين واساتذة الاقتصاد فى مصر فى مطلع القرن العشرين عندما ذهب شباب الخريجين فى مدارس المعلمين والتجارة والحقوق الى بعثات فى اوروبا خصوصا الى فرنسا وانجلترا على نفقة الحكومة واحيانا على نفقتهم الخاصة لدراسة علم الاقتصاد ، فدرسوا على يد اساتذة اكفاء النظرية الاقتصادية فى كتبها الاصلية وليس فى ملخصات وشروح وعندما عادوا الى ارض الوطن كانت اول اضافة لهم فى ترسيخ علوم الاقتصاد فى مصر هى ترجمة المصطلحات الاقتصادية من اللغات الاجنبية الى اللغة العربية التى امتلكوا ناصيتها وبرعوا فيها فجاءت تلك المصطلحات المترجمة دقيقة ومفهومة وسهلة فى نفس الوقت فكانت بمثابة الاساس الذى بنى عليه علم الاقتصاد الحديث فى مصر و ما ان انقضى ثلاثة ارباع القرن العشرين الا وكان العالم كله ينتظر ابداع الاقتصاديون المصريون واضافاتهم لتترجم الى لغات العالم المختلفة
وهكذا برع المصريون فى علوم الاقتصاد لاسباب اهمها الانطلاق من رغبة طموحة لشباب تشبعوا بالثقافة النابعة من هويتهم الوطنية مكنتهم من الاحتكاك الايجابى بالعالم الخارجى ، فهم لم يتخلوا عن اعتزازهم بهويتهم عندما عاشوا فى بلدان اوروبا المتقدمة و كانت رؤيتهم واضحة لهدفهم النهائى وهو رفع شأن الوطن بتعلم العلم ونقله لابناء جلدتهم
وقد نستغرب طول الفترة الزمنية التى استغرقها هؤلاء لترسيخ علم الاقتصاد فى مصر والريادة فيه خلال خمسة وسبعون عاما ولكن يزول الاستغراب عندما نعلم ان علم الاقتصاد كان ايضا لايزال وليدا فى العالم الغربى كذلك يجب الاخذ فى الاعتبار ماكان سائدا فى هذا الزمن من وسائل انتقال واتصالات اقل سرعة من المتاح الان بمراحل كثيرة
و اعتقد ان استقراء التاريخ فى هذا المجال يفيد كثيرا فى استبيان طريقنا لبناء مصر الحديثة فى المرحلة القادمة فنبث الشعور بالاعتزاز بديننا وهويتنا ولغتنا فى ابناء وطننا ثم ننفتح على العالم لنستفيد من تجارب الاخرين فلا نخاف غزوا ثقافيا ولا اقتصاديا و على نفس النمط يمكن ان يكون لدينا فى وقت قياسى يناسب سرعة العصر قيادات سياسية وقانونية ناضجة تضع الاساس لنظرية سياسية مصرية متفردة