الثلاثاء، سبتمبر 20، 2011

طبيخ


عندما عزم على كتابة تجربته فى اعداد الطعام انتابه قلق استغربته نفسه فهناك احتمال ان يخطر ببال البعض ان الكلمات التى سوف يسطرها ما هى الا صدى للاحوال العامة للوطن بسبب ابتذال تشبيه العمل فى مجال السياسة بالطبخ وما درج البعض على استخدام تعبير المطبخ السياسى كناية عن ما يحاك فى الكواليس السياسية ولكنه سرعان ما صرف تلك الشياطين التى توسوس له مستندا الى ما يتصوره من انصراف الاهتمام  بالتدوين واهله الى مواقع التواصل الاجتماعى التى نجحت فى صب خرسانة الاساس لعولمة شعوب الكوكب الازرق
عندما يهبط عليه الالهام الذى يحفزه الى ما هو مقدم عليه  يدرك يقينا ان معدته ليست وحدها صاحبة المصلحة المباشرة عندما تستقر الاوانى والصوانى التى تحتوى الطعام على المنضدة المستطيلة ذات السطح الرخامى بل يشاركها باقى حواسه فى شعور الفنان الذى يحتفل بافتتاح معرضه الذى سيحضره الجمهور ليقف فى حالة انبهار امام اعماله الفنية ولا يعنيه هنا ان يتذوق الطعام قدر ما يعنيه مراقبة الاعين والتعبيرات التى ترتسم على وجوه من تحلقوا حول المائدة يمضغون ما ابدعه الفنان الكامن داخله
مرحلة التسوق قد يختلط فيها التأثر بالوان الخضار والفاكهة مع الوان الفساتين التى تكسى اجساد النساء اللاتى يشاركنه التزاحم على سلال الطماطم والبصل ويسابقنه دافعات لعربات التسوق فى السوبر ماركت  الى ثلاجة الجبن والزبد والبسطرمة ثم وهن يحاولن قبله بلوغ الكاشيير الاقل ازدحاما
المرحلة الاكثر صعوبة والتى قد تذهب بحالة التوهج الابداعى تماما وتنهى مشروعه الفنى بالضربة القاضية هى كيف يستطيع احتلال المطبخ لسويعات قليلة يفرغ خلالها تلك الشحنة الملتهبة التى تداعب اعصابه ، فقد يستغل انشغال زوجته فى مكالمة تليفونية طويلة او اثناء مشاهدة برنامج حوارى على التلفاز او زيارة للجيران فى الشقة المجاورة فيسرع الى السكين والاورمة الخشبية يحتضنها لتتحرك اصابعه بحنكة وخبرة- اكتسبها عندما سافر بعيدا عن ارض الوطن - لتقطيع البصل والثوم والخضروات فى هدوء وسكون المتعبد فى محراب الصلاة وقد افسحت اذنيه المجال لباقى حواسه المرهفه ليحس ويشم ويتذوق الطعام فى مرحلة الاعداد
وهو يدرك رد فعل زوجته على فعلته هذه من الخبرات المكتسبة ساخرة تارة من فوضى المطبخ بعد انتهاء العمل الفنى وتارة من الكميات الكبيرة من الطعام التى تهدر المال الى اخره من تهم ومزاعم من يدافع عن مملكته وقدس اقداسه ضد الدخلاء وقد تعود ان لا يرد عليها الا بعد ان يرى بعين رأسه تلمظ الاولاد بالطعم الرائع لعمله الفنى واقدامهم على غرف اطباق اضافية من الحلل والصوانى فيعقد يديه على صدره وينظر اليها مبتسما و قد انهمكت فى التسابق مع الاولاد على المائدة موقعا على انتاجه قائلا " بالهنا والشفا "