الثلاثاء، سبتمبر 29، 2009

انصاف الكلام

فتح فمه وتحركت شفتاه فصدر صوت استغربه في البداية ثم أيقن انه صوته فتعجب من نفسه

لم يتعود الإنصات لما يقول فهو يقول كلمات ناقصة مضغمة لامعنى لها يكررها كل حين بين الجمل والكلمات التي تلتقطها أذناه من أفواه الآخرين

تعود منذ زمن على ترك الناس تطلق الكلمات بدون مقاطعة من جانبه و كان يشعر بالإرهاق الشديد عقب كل لقاء يحاول فيه أن يتحاور مع الآخرين فكان يخفق لأنهم لا يسمعون

وكان يحشر كلمة أو نصف كلمة بين كلمات الآخرين المنطلقة مستغلا الزمن الذي يتوقفون فيه عن الكلام مجبرين لأداء زفيرا أو شهيقا فلا يقدرون على مواصلة الكلام حين التنفس لحظتها ينطق ببعض الحروف وأنصاف الكلمات وأصوات تشبه الضحك ثم أصابه اليأس فاعتاد هز رأسه وتحريك عضلات وجهه وأخيرا توقف عن تلك المحاولات البائسة و اكتشف انه لا يحتاج أبدا إلا للنظر في عيونهم مزيحا ستائر الكلمات لينظر مباشرة إلى الأدمغة

يحملق في عيون الآخرين فيصل إلى أعماقهم ويفهم معنى الأشخاص وليس الكلمات

الكلمات لا معنى لها بدون الغوص في النفوس الزئبقية الثعبانية التي تراوغ لتستر الشر والسخام

حين سمع صوته لأول مرة منذ زمن بعيد وهو في الحجرة الخلفية الصغيرة يقرأ سطورا في كتاب انتابته الدهشة والسعادة كأنه صحا من غفوة طالت فعاد إلى الحياة كطفل أدرك أن له حواسا يتعرف على الدنيا ويصرخ فيسمع صراخه فيسعد ويرتفع صراخه أعلى وأعلى