جلس بجوار ابيه فى شهر يوليو فى المنتجع الراقى بالساحل الشمالى ،وامامهما البحر وهو يحاول اختيار الكلمات التى تداعب قلب الرجل القوى الذى بيده زمام الامور .
- عندى خبر حلو
التفت اليه يحاول ان يستبق ما وراء كلام ولده ناظرا فى عينيه التى طالما احب فيهما النظره المباشرة الصريحة وجهز نفسه لتلقى الخبر السعيد
- لقد وجدت الفتاة التى اريدها زوجه لى
- من يا ترى ؟
وكان قد عرض عليه بنات العائلة المرشحات للزواج منه فرفضهن كلهن بحجج مختلفة
- زميلتى فى العمل
- حدثنى عنها
- ذات اخلاق حميدة ومن اسرة مستورة
- كم تبلغ من العمر ؟
- تكبرنى باربع سنوات
- مرفوض
-لماذا؟
- لو حدث الزواج ، بعد سنوات لن تصلح كزوجة وستكون فى وضع الاختيار بين الزواج مرة ثانية او اتخاذ عشيقة
-لقد بحثت فى ما كتب عن مشاكل فارق السن فلم اجد ما يمنع
- العرف لا يسمح
- الدين يسمح
- الدين يقر العرف الذى عليه المجتمع
لم يمنحه الموافقة فقام وقد اضمر فى نفسه انه لا مفر من الحيلة وان الحرب فى النهاية خدعة .
بعد شهر دعا اسرته الى رحلة تنظمها الشركة التى يعمل بها وبالطبع كانت الفتاة وامها معهم وكانت الخطة تعتمد على تعارف الاسرتان ولكن الخطة باءت بالفشل فلم تلق الفتاة قبولا لدى والده ولا والدته وحدث نفور عفوى من الفتاة وامها على اساس طبقى مدعم باشكالية فارق السن وزاد من تعقيد الامر تحفظ الاب على الفتاة لانها ذات جمال متوسط او اقل فى تقديره
منذ ذلك اليوم بدأ صراعا بين الابن وابواه اشبه بلعبة ليس لها قواعد ثابته ولكنها تتغير طبقا للظروف وكلما اقترب موعد سفر الابن الى خارج البلاد فى مهمة عمل لمدة سنة كاملة كلما تسارع ايقاع اللعبة وفيها اختبار لكل المتعارف عليه من علاقة الاباء بالابناء
الاب مطمئن الى طاعة ولده وهو الذى اعطى واقترب وحاور ولم يعاقب الا نادرا فلم يتوقع فى يوم من الايام ان يواجه بمعارضة من ولده خصوصا فى امر يتعلق بمصاهرة العائلة بعائلة اخرى وقد كان يتغاضى عن الكثير من نزوات وطيش ولده متعللا بنقص خبرته وانه سوف تصقله الايام والتجارب وحاول الاب بطريقته الهادئة هذه موزانة محاولة الام السيطرة الشاملة على ابنه متسلحة بما حبتها به الطبيعة من عاطفة
الابن من ناحيته يكن حبا و احتراما وتوقيرا لابيه ولامه ولكنه يعانى من ذكريات المته فى الطفولة لم يبح بها من قبل ، مواقف طلب فيها الاذن للخروج او السفر مع اصدقائة ولم يسمح له بتحقيق رغباته واضطر للاذعان والنزول على رغبة والديه فتشكل لديه صراعا نفسيا بين الصورة التى يجب ان يكون عليها الابن البار وبين صورة الشاب الذى يريد تحقيق كل ما يطمح اليه ويرغب فيه
و عند المواجهة مع ابيه كشف الشاب الذى يريد حريته عن وجهه الحقيقى و حسم صراعه النفسى فأصر على الارتباط بتلك الفتاة وقد رأى الاب الخبير ان الصدام قد يفكك اواصر الاسرة لو حقق الفتى ما اراده رغما عن انف ابيه وفى هذه الحالة سوف يقف وحيدا فى مربع الفتاة واسرتها ومهما واجه من مشاكل فى حياته بعد ذلك فسوف تمنعه عزة نفسه من اللجوء لابيه او امه
و بالطبع لم تشارك الفتاة فى الحوار المحتدم بين الاب وابنه فقد اكتنف سعيها للارتباط بشاب اقل منها عمرا و خبرة بالغموض دفع ابوه لاتهامها بانها فى سعيها للزواج قد قامت فى حقيقة الامر بدق اسفين بين الشاب وعائلته وهذا فى رأى الاب يلقى بظلال قاتمة على اخلاقها بالرغم من انه فى قرارة نفسه قد يلتمس بعض العذر لها فالعنوسة شبح يطارد كل فتاة ولكنه لا يستطيع التخلى ببساطة عن مباديء الطبقة الاجتماعية التى ينتمى اليها التى تنظر الى الزواج على انه صفقه يربح منها الطرفان ليس فيها طرف يربح على حساب خسارة الطرف الاخر
و اذا كان الفتى قد حسم صراعه النفسى فقد انتقلت عدوى الصراع الى ابيه الذى اندهش من موقف ابنه الصادم ولكنه فى حقيقة الامر فى غاية الاعجاب به فالفتى ذو موقف نبيل وهو صادق فى عاطفته لا يلتفت الا لاثبات صدق وعوده للفتاه ضاربا عرض الحائط بكل قيم الطبقة المتوسطة التى نشأ عليها و قد يعود اعجاب الاب بابنه الى افكار الاب فى مقتبل رجولته عندما اعتنق الفكر اليسارى الذى ينحاز دائما الى الفقراء ويدعو الى هدم الفوارق بين الطبقات و الى قدسية الاختيار الحر للانسان لمصيره وطريقه الى تحقيق احلامه
وبعد تفكير طويل قبل الاب التقدم لخطبة الفتاة بشرط ان يتم الامر فى هدوء شديد وقد رجح انه اذا عاد الفتى من اوروبا وقد احتك بعالم مختلف و صقلت شخصيته فقد يتردد فى اتمام الزواج وفى الوقت نفسه قد تصاب الفتاة بالقلق من طول الانتظار فتحل نفسها من الارتباط وقد حدث ما لم يكن فى حسبان الجميع فقد اخذت الفرحة اهل الفتاة فلم يلزموا انفسهم بالاتفاق فاقاموا حفلا على الطريقة الشعبية ما ان رأت ام الفتى ابنها وهو يجلس فى وسط هذه الطقوس والاغانى الصاخبة حتى انصرفت غاضبة وفى الصباح التالى كان الاب والام قد قررا فسخ الخطبة مهما كانت النتائج
قاوم الفتى قدر جهده فلم يستطيع الوقوف امام الجدار الصلب الذى واجهه من تحالف ابوه وامه فقبل الفسخ ودموعه تنهمر على خديه عالما انه قد اوقع نفسه فى حرج لا قبل له به فاشترط ان يقوم وحده باسترداد الشبكة وانهاء الامر
سافر الفتى حزينا و ابوه على يقين انه قد اضمر شيء ما فى نفسه فلم يحن الوقت لكى تضع الحرب اوزارها
هناك 12 تعليقًا:
قصة جميلة
رغم انى توقعت ان يكون الفتى اكثر ثراء وايضا اكثر صلابة رأى خاصة وان ما حدث قد يكون متوقع
عارف انا هعلق على حاجة تانية
على اعجاب الاب بأبنة وبمحاولتة الاصرار على اخذ حقة المشروع فى اختيار شريكة حياتة وفى نفس الوق يحارب وبضراوة لتحقيق وجهة نظرة !!
قد اعود لكمل القصة ان كان لها تكملها خاصة وانه الشاب يضمر شئ فى نفسة
تحياتى لك
اولا
كل عيد حب وانت طيب
ثانيا
الغريب ان الواحد ممكن ينسى الحب بس مش بينسى ابدا زعله من المعارضين له
نهر الحب
مشكلة الشاب تكمن فى الصراع بين احترامه لابواه وفى نفس الوقت رغبته فى الفوز بالفتاه فهنا يكون اصراره له حدود لا يجب تخطيها
ولكى كل التقدير
داليا
فعلا ملاحظتك صائبة بخصوص عدم نسيان المعارضة
وكل سنة وانتى محبوبة من كل الناس
انا مع الاب طبعا
الله ع الحكايات الواقعية الجميلة..
عجبتني أوي اللغة..
مؤقتاً لحد ما اقراها تاني!
:)
كثير من الاباء يعتقدون
انهم علي صواب
حتي عندما يبلغ الابناء السن
الذي يستطيعون فيه اتخاذ القرار
لا يمنحونهم هذه الفرصه
بدعوي الخوف عليهم
متناسين ان شخصيه الانسان
تتكون من خلال ما يمر به من تجارب
ولكنهم يصادرون علي هذه التجارب في مهدها
فيخرج لنا اشخاص باهتي الشخصيه
بلا ملامح تميزهم
مفردات من الواقع
ترسم صراع لا ينتهي
لك مني كل تقدير عليها
شارم
ليه يا ترى انحيازك للاب؟
امانى
وانا فى انتظارك
اميرة الصعيد
هناك تجارب ومخاطرات تستحق المغامرة بشأنها لان فيها ريادة
وهناك تجارب خاضها العديد من الناس من قبل وجاءت النتائج على وتيرة واحدة فتشكل فى وعى الناس وفى ضميرهم ضرورة لفت نظر المقدمين عليها من جديد لتوخى الحذر او تجنبها
ولكى التحية والتقدير
أد إيه واقعي إن في حاجات مرفوضة اجتماعياً لمجرد انها مرفوضة..
وأد إيه حقيقي إن الواحد بس يتعرض لحاجه من دول، يفضل يدور على مبررات تناقض قناعاته، بدل ما يدور على الأسباب اللي تخليها من الأصل مرفوضة!
ولأن التيار الاجتماعي قد يكون الأقوى، فالنتيجة صراع محتوم بين الشطرين، مايحلهوش غير التنازل، واللي في علاقة أبوية زي اللي حضرتك متناولها، غالباً بيكون من نصيب الأبناء!
حضرتك لخصت الموضوع في علاقة يغمرها الحب ويمزقها الصراع... وأكتر حاجه أسعدتني في الموضوع، إن اللي كتبه أب قبل كل شيء!
نحن في حاجه الي رايك في مشاكل القراء علي مدونة"دقات قلب فوق الخمسين"
إرسال تعليق