
كانت الكنكة على النار ومن شباك المطبخ كنت لا استطيع التركيز فى ما أراه من صور واشخاص فهذه هى المرحلة الرمادية ما بين الانتقال المترنح من غرفة النوم فور الاستيقاظ وتناول قهوة الصباح حيث اعتمد بكوعى على طبان الشباك الذى يطل على المساحة الخلفية المزروعة بالحشائش التى تذكرنى بحشائش السافانا فى مناطق السفارى فى ادغال افريقيا والتى كلما نظرت اليها تتداعى فى عقلى مشاهد من فيلم الخروج من افريقيا الذى ابدع فى تمثيله ميريل ستريب وروبرت ريدفورد فكانا عاشقان من نوع وطراز خاص فكانت وهى صاحبة مزرعة البن التى على وشك الافلاس تحتاجه الى جانبها وكان هو يقدس حريته فلا يريد ابدا ان يلزم نفسه بأى قيد حتى ولا مجرد الوعد بأنه سيبقى معها فى مكان واحد فى يوم من الايام و بالرغم من ذلك كانت تعشقه بجنون ( حاجة غريبة الستات دول )
ثم اتذكر كيف اهمل سكان المنطقة التى كانت جميلة ومنظمة من حيث التخطيط المعمارى لاماكن البنايات والمساحات الخضراء المحيطة بها واماكن انتظار السيارات ثم انهار وتهاوى ذلك كله بسبب بخل السكان الاغبياء الذين يترددون فى دفع جنيهات قليلة مقابل النظافة والعناية بالاشجار والحشائش
وكانت الصور والافكار تعبر مساحات عقلى النصف نائم وانا فى انتظار صوت فوران القهوة ورائحتها الارومية المميزة ، ثم سمعت عويل وصراخ بعدها ظهرت الفتاة من بين الاشجار تعدو وراء شخص ما قد اختفى تحت العمارة ثم سمعت صوت محمود البواب الجدع الصعيدى من دشنا محافظة قنا بأن امسك حرامى
محمود بواب العمارة ومديرها فى نفس الوقت وصاحب الامر والنهى فى كيفية ركن السيارات وضرورة ترك فرامل اليد لخلق مساحات جديدة للسيارات الجديدة التى يشتريها سكان العمارة كل شهر تقريبا لاولادهم وزوجاتهم حتى اصبح المرآب كانه لعبة البزل التى تعشق فيها اجزاء الصورة المقطعة ، ومحمود عشرة طويلة تمتد لاكثر من خمسة عشر عاما وقفزت من مخزن الذاكرة فى عقلى الذى نشط مع تصاعد الاحداث المواقف الشريفة والشجاعة التى اثبتت مع الزمن معدن محمود الاصيل وتذكرت كيف رقد فى المستشفى وقد اشرف على الموت على اثر شلوت فى اسفل بطنه من شاب مستهتر كان يحاول منعه من لعب الكرة اسفل العمارة فى موسم الامتحانات وغيرها من المواقف التى شالها بالنيابة عننا نحن سكان العمارة إذا اصر محصل الكهرباء او الغاز على تحصيل الفاتورة من احد السكان فى يوم عسرة لا يجد فى بيته نقودا فيدفعها محمود بدون شوشرة
وجدتنى اجرى على درج السلم بملابس النوم وقد اعمانى الغضب فوجدته يمسك فى تلابيب الحرامى وهو يثنى ساقية ليزداد وزنه امام محاولات اللص الشاب الذى يريد الافلات من قبضته واقتربت بسرعة ولطشت اللص بيدى اليسرى على وجهه لطشة قوية ( يحمد ربنا انها ليست بيدى اليمنى التى امسك بها مضرب التنس فماكان هناك من اختيار امامة الا فقدان الوعى ) وجرجرنا اللص ثم فهمنا انه ضرب البنوته على وجهها ونزع منها الموبايل وجرى والبنوته عندها امتحان ثانوية عامة فلطشته لطشة جديدة باليسرى كذلك
تجمع الناس والبوابين فانسحبت الى منزلى وفى المطبخ كان الدخان و رائحة الشياط من القهوة المحروقة قد عبق المطبخ