يبدو ان تصريح انور السادات بان حرب اكتوبر 73 هى اخر الحروب بين مصر واسرائيل قد اعطى الضوء الاخضر لقيادات الجيش ان تبحث عن نشاط اخر يستوعب الطاقات المسخرة عندها من الجنود والضباط فى الزراعة والصناعة والتجارة والمقاولات واذا كان هناك من يرى انشغال الجيش فى هذه الانشطة الاقتصادية قد يتعارض مع مهمة الجيش الاساسية فى حماية البلاد ضد التهديد الخارجى وانهماك القادة والضباط فى تحصيل مكاسب وارباح مالية تفاقم من الوضع المميز لهؤلاء على حساب باقى طوائف الشعب فعلى الجانب الاخر هناك من يرى ان هذه اضافة ايجابية للاقتصاد الوطنى
ولكن الوضع الشاذ والذى ليس له عندى اى تبرير هو سعى الجيش لشغل المناصب الكبرى الحيوية فى عرض البلاد وطولها ، ويقال ان هناك تعليمات فى كل الوزارات والهيئات ان تتم مخاطبة القوات المسلحة فى حالة وجود مناصب شاغرة فى الوظائف القيادية والعليا ليشغلها اللواءات المحالين الى التقاعد بدلا من ترقية الكوادر الموجودة فعلا والخبيرة بشئون العمل فتكون النتيجة كما هو متوقع شلل فى القطاع الذى اصبح تحت قيادة معالى اللواء الى ان ينخرط فى الجهاز الادارى ويصبح ترسا اخر فى الة الفساد او يتم تحييده ويصبح بدون صلاحيات حقيقية ويكتفى بمشوار الذهاب الى مكتبه والعودة الى منزله وما بينهما من دردشة وتعارف والشاى والقهوة وقراءة الصحف والمجلات
ولقد ابتليت وزارة الصحة بهؤلاء اللواءات المتقاعدين فتم تعيين ثلاثة منهم دفعة واحدة فى عهد الوزير اسماعيل سلام احدهم كان مسئولا عن المناقصات والمشتريات ولما طلب منه التوقيع على المستندات حاول التملص فأمر الوزير ان يخصص له مكتبا فى غرفة منعزلة وان يتم تجاهل وجوده تماما وبعد ايام من العزلة القاتلة اعلن سيادته انه تاب واناب ومستعد للتوقيع على اى مستند بدون مناقشة وانخرط بعد ذلك بهمة ونشاط فى النشاط الفاسد والمشبوه حتى تم تسريحه بعد خروج الدكتور سلام من الوزارة
ولقد سار الدكتور الجبلى على نفس خطى سلفه وقام بتعيين لواء اخر ليكون مساعدا له للشئون المالية والادارية بحيث لا يمر مستند مالى او ادارى فى وزارة الصحة الا بعد توقيع سيادة اللواء عليه ولتسهيل مهمته ولكى يشترى دماغه فقد انتدب سيادته ضابطا من الجيش برتبة مقدم مديرا لمكتبه فكان الناس يندهشون لوجود سيادة المقدم دمث الخلق بملابسة العسكرية داخل الوزارة واحيانا يظنون انهم اخطأوا بدخولهم الى وزارة الدفاع بدلا من وزارة الصحة ولعل اهم انجازات الوزير الجبلى هى فضيحة العلاج على نفقة الدولة
من الواضح ان الفاسدين فى الجهاز الادارى للدولة كانوا سعداء بهذه الاوضاع فوجود لواء من الجيش على راس الشركة او الهيئة او القطاع من المؤكد انه سوف يضفى حصانة على المكان ويسمح بحرية اكبر للفساد ان يستشرى وينتشر فمن ذا الذى يجرؤ على معارضة اللواءات او الشكوى فى حقهم ؟
وهكذا وكما يمتص الاسفنج الماء ويشبع به فعلى مدى ستون عاما تغلل اللواءات المتقاعدين فى كل الوزارات والشركات والهيئات والنوادى بمرتبات ومكافئات كبيرة بل وتعدى ذلك الى القطاع الخاص ففتحت لهم كل الابواب
واذا كان المجلس العسكرى قد اعلن زهده فى قيادة البلاد سياسيا وانه سوف يسلم البلاد للمدنيين فمن باب اولى ان يأخذ فى يده وهو خارج كل المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية من العسكريين من عينة شفيق وخير الله وخصوصا هذا الاخير الذى نبت فجأة وانتشر على الشاشات واطلق تصريحات تفصح بجلاء عن مستواه الثقافى (من عينة ان كل رؤساء امريكا لهم خلفية عسكرية) و كل هؤلاء اللواءات فى كل الوزارات والهيئات والشركات الى التقاعد الفعلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق