الثلاثاء، يوليو 06، 2010

صديقى العزيز



مر بسنوات قد تدفع ذو مشاعر حساسة كالتى لديه الى قتل نفسه ، فلم يكن يتصور يوما ان يعيش فى بيت لا يضم طفليه ولكن اخيرا تحققت اسوأ احلامه ، وعندما دعانى الي فيلته الجديدة البسيطة جدا والجميلة جدا بواجهة مكسوة بحجر الهاشمة الفاخر المنحوت من الكيلو 60 بالقطامية المركب كبس هواء على يد المعلم سيد بندق اشهر معلم هاشمة فى شق التعبان ، دلفت من باب المدخل الارو الماسيف ثم  اخذنى مباشرة الى غرف النوم ذات الابواب الحشو  باللون القرمزى الداكن والخردوات النحاسية الايطالية  واحدة لمريم والاخرى لعمرو  فغلبته دموعه وسقطت على الارض الملساء وتكورت كحبات الزئبق من فرط التوتر ثم اشار الى خزانات الملابس الفارغة التى ينبعث منها رائحة زيوت الخشب الزكية بيد ترتجف فجذبته من كمه وقلت له اين المطبخ دعنا نصنع شايا
فى المطبخ البكر الذى لم تدخله انثى شغل غلاية الماء وعرض على انواع الشاى ايرل جراى بالياسمين او القرنفل عندى كل النكهات نظرت اليه باسما فانا اعرف ان الامر سينتهى بنا الى كيس من شاى ليبتون فى كل كوب ذلك اجمل وكذلك ارخص ، فصديقى الذى عرفته منذ اكثر من عشرين عاما حريص جدا فى انفاق النقود وهو يعترف بذلك فى كل المناسبات بطريقته المرحة المحببة، وحرصه الزائد على النقود له ما يبرره فقد حكى لى انه لم يرث مليما من ابيه سليل البشوات وانه اى ابيه كان ينفق بلا حساب وترك اسرته من بعده تعانى الفقر والضنك خلف ستار من السمعة البراقة الكاذبة التى فاقمت من ازمة الاسرة فكانوا يجوعون اياما لتوفير ثمن حذاء الباليه لاخته الصغيرة او لتنجيد فوتيهات الانترية او تدبير مصاريف المصيف ،وتربى صديقى على تقدير النقود واحترام مصدرها وعمل بهمة وجدية لزيادة دخله و تحقيق اهدافه  و عندما قرر الزواج اصر على ان لايكون هناك حفل زفاف مقنعا اسرة العروس بان هناك اوجه اخرى لانفاق النقود اهم من حفلات لا جدوى لها، 
عاش مع زوجته التى كانت تحبه بجنون فى سعادة فلم تهتم كثيرا بحرصه على النقود وفى الواقع لم يكن صديقى بخيلا فى يوم من الايام فهو ينفق نقودا كثيرة للحفاظ على مظهر اسرته ووضعه الاجتماعى ، ولست اعرف بالضبط السبب الرئيسى لخلافهما ولكنها كانت تعاقبه بقسوة فى كل مرة يحتدم بينهما الخلاف فتهجر الفراش لاسابيع قد تمتد الى شهور طويلة فى نفس الوقت كانت تمعن فى انفاق مبالغ كبيرة من النقود على امور تافهة فقط لاغاظته وبالطبع كانت تصيب الهدف ، وفى نهاية كل خصام طال او قصر كانا يجلسان سويا لعقد صفقة مالية تكون هى الطرف الرابح فيها قبل استئناف حياتهما الطبيعية
ويبدو ان بداية النهاية بينهما كانت عندما صارت ناجحة فى عملها فهى مترجمة معتمدة للوثائق كما انها تطلب للمؤتمرات للقيام بالترجمة الفورية فتدفقت عليها الاموال واصبحت تسافر بعيدا لاياما وليالى ويضطر هو لترك عمله والعناية بالاطفال وكان يعول دائما على كسب ود الطفلين وحبهما تحسبا لاى نزاع مستقبلى قد يؤدى الى الطلاق  وذلك بتدليلهما الزائد ولكن مع الوقت واستمرار الخلافات تعرض الاطفال لمشاكل نفسية عميقة 
كان يحكى لنا نحن اصدقاؤه المقربين تفاصيل مشكلته مع زوجته اذا سافرنا فى رحلات العمل خارج القاهرة وكنت اعشق رحلات العمل تلك بصحبة صديقى الذى يشع علينا مرحا وبهجة فتارة يقلد اسماعيل يس او القصرى او يعلو صوته فى منتصف الليل مغنيا عووووكل واحيانا يغازل فتاة الاستقبال فى الفندق حتى تحمر وجنتاها ويبدو ان الغربة تساعد على الحكى وفى حالة صديقى هذا فلا خطوط حمراء لحكاياته ولطالما اعجبت بشجاعته وصراحته عندما يحكى فينطلق لسرد كافة التفاصيل التى لو كنت مكانه لتحرجت فى سردها ولكن ظرفه وحسه الكوميدى الساخر كان يحول الماساة الى ملهاة نضحك لها حتى تدمع اعيننا 
عبرنا بجوار غرفة النوم الرئيسية شاسعة المساحة بحمام الجاكوزى المتناثر حوله قطع غشيمة من جرانيت اسوان وغرفة تبديل الملابس ذات الخزانة المصنوعة بورق الشيش الابيض مرورابغرفة المورننج كوفى ذات القبة السماوية بالواح البولى كربونيت ثم نزولا الى غرفة المعيشة على مستوى الحديقة الخارجية التى يفصلها عن الداخل قاطع جرار من الزجاج و قطاعات الومنيوم ايجيبيل الثقيل  ليكون سقفها بضعف الارتفاع العادى للغرف الاخرى وارضية من ترابيع رخام  الجلالة السيناوى المصرى الجميل وقد وضع فى احد الاركان البيانو القديم لوالده وفى الصدارة شاشة لتلفزيون عملاق امام  المنضدة التى جلسنا اليها نحتسى الشاى ولم ينسى صديقى على عادة المصريين ان يشعل البخور من شر اى حسد قد يعتمل فى صدرى ولم انس ان اردد بسم الله ماشاء الله عدة مرات بصوت عالى لنفى اى تهمة حسد قد تجول فى نفسى 
الان قل لى ما الجديد فى حكايتك ؟ هكذا سألته فقال ان الحياة مع زوجته قد اصبحت عذاب لكل منهما وللاطفال وانه اخيرا قرر الانفصال فترك البيت فى المعادى وانتقل الى هذه الفيلا داخل كومباوند فى التجمع الخامس وان هذا القرار قد تأخر كثيرا فهو الان ينعم بالامان و الاستقرار لاول مرة منذ سنوات الخلاف و توتر الاعصاب وهو يريد ان يأخذ رأيى فى مشروع زواج جديد 
وعندما سألته عن زوجته الحاليه قال انه سيطلقها فور اعلان خطبته و حكى لى عن السيدة التى اختارها للزواج فاذا هى جارته الارملة صديقة زوجته وهى سيدة لعوب ذات جمال صارخ
 قلت له انك غير جاد فى تفكيرك 
نظر الى مثل الطفل الذى ضبطته امه وقد وضع اصابعه فى برطمان المربى و لوث ملابسه وضحك عاليا فقلت له انه اختار اخر امرأة تصلح للزواج فهى قدتصلح للحب والغرام والمواعدة ولكنها ابدا لا يمكن تصورها زوجة وأم وانه قد اختار صديقة زوجته فاذا شاع الخبر هرولت اليه زوجته معتذرة ونادمة يا عزيزى انت لازلت تحب زوجتك فعد اليها 
بعد شهر من هذا اللقاء اتصل بى واخبرنى بموعد عقد قرانه على سيدة فاضله قد وفقه الله فى العثور عليها  فتمنيت له السعادة وتمنيت للعروس -فى نفسى -ان يلهمها الله الصبر على ما ستواجهه فى المستقبل مع صديقى العزيز

هناك 31 تعليقًا:

(ست* جنى* الحسن) يقول...

سلامو عليكو..
احييك على طريقة سرد القصة واسلوب الاسترسال فى الاحداث
ولكن
انا شيفة من وجهت نظرى البسيطة انك بالغت اوى فى وصف الفيلا بادق التفاصيل
ورغم ده للاسف انا مفمتش ايه الهدف من القصة
وماحستش برضو ان النهاية ممكن تكون بالبساطة دى!!!!!!!!!!!!
سمحنى لو كنت تجاوزت
لك تحياتى

محمد حويحي يقول...


هو مش بخيل خالص ابدا جدا يعني والا ما كنش يعمل بيته او فيلته بالطريقه المستفذه ليا جدا خالص موت دي
انما مشاكله مع زوجته الكريمه بسبب عقدته اللي اتربي عليها واللي في الغالب كانت بتعاني منها الزوجه
اما الفاضله اللي هايتزوجها فلها الله

ملحوظه في ملاحظه صغيره
المراه اللعوب التي تصلح للمواعده لا تصلح للحب
الحب صدق

عين فى الجنة يقول...

ست الحسن
مرحبا بك ، وهل هناك نهاية لاى حكاية؟

عين فى الجنة يقول...

عقل مهوى
قد تحب امرأة بصدق فتواعدها لا تناقض هنا

محمد حويحي يقول...


أواعد أمراه احبها جائز
لكن لا أحب امراه فقط اواعدها

عين فى الجنة يقول...

عقل مهوى
للناس فيما يعشقون مذاهب ، ولكن اليس هذا ظلما بالنساء؟
اعتقد ان الاشكالية هنا هى تعريف المواعدة اليس كذلك؟

قوس قزح يقول...

مش عارفة ليه حاسة انه السبب
حتى لو كانت زوجته استغلت خصامهم اكتر من مرة لصالحها

وصفك للبيت يا راجى مش هينفع معاه بخور :))

sheeshany يقول...

للناس فيما يعشقون مذاهب كما تفضلت، بعض هذه المذاهب ظالمة!

غير معرف يقول...

راجى باشا
---------
ربما لو فهمنا سببا لتلك الخلافات لامكنا أن نؤيد .. أو نعارض هذا الأخ الكريم

فلو كان الحق معه لأن زوجته لاتريد العودة .. فكل دعواتنا له بأن يعوضه الله خيرا بزوجة صالحة ..

وبعدين فيلا جميلة كوصفك .. اللهم لاحسد

mrmr يقول...

دعوه خاصه
http://jokes-egyptian.blogspot.com/

اقصوصه يقول...

حلوه وايد القصه :)

محمد الجرايحى يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاعتدال فى كل الأمور هو خير درب وطريق ....

تقبل تقديرى واحترامى
أخوك
محمد

عين فى الجنة يقول...

داليا
والله موش بحسد والدليل ان الفيلا لازالت موجودة حتى لحظتنا هذه
شرفتى ونورتى

عين فى الجنة يقول...

استاذ هيثم
طبعا اكيد متفقين

عين فى الجنة يقول...

شريف باشا
ارجو ان يستجيب الله لدعائك
وارجو عدم غيابك عن اصدقائك

عين فى الجنة يقول...

mmr
حاضر

عين فى الجنة يقول...

اقصوصة
اشكرك ربنا يخليكى

عين فى الجنة يقول...

اقصوصة
اشكرك ربنا يخليكى

عين فى الجنة يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
عين فى الجنة يقول...

محمد الجرايحى
شكرا جزيلا على المداخلة والتعليق واتفق مع حضرتك

العلم نور يقول...

أحيانا قد تصل الحياة لطريق مسدود والبعض يكتفي بما وصل له ويستسلم .. والبعض الآخر يحاول تفجير هذا الحائط .. وكل فيما يعشقون مذاهب!!!

فارس عبدالفتاح يقول...

عفواً

هو إيه جوهر القصة أنا فهمي على قدي واحد مراته مطلعه عين أهله ومستنزفاه وهو رجل لديه طموح ويريد أن يسترجع مجد قد ولا وفات .. وهذا ليس عيباً بل شيء جميل ومحترم .

هنقول العيال .. العيال تتربى مفيهاش مشكلة وياما أولاد أتربوا بعد الانفصال أو حتى بعدم وجود احد الوالدين أو كلاهما .. إذا كان هناك أسلوب قويم وواعي لمتغيرات العصر في التربية .

بصراحة أنا مش فاهم ..؟

dodda يقول...

ههههه
مش ده صاحبك برده اللى مراته المفتريه كسرت الساعه؟؟
لو اه يبقى البوادر كانت باينه :O)
اهم حاجه ان الهندسه وكلاك زى العشم كده
انا بجد متشكره اوى على تعليقاتك عندى....
دمت بالف خير

عين فى الجنة يقول...

ام الخلود
الصعوبة كل الصعوبة فى كسر الحواجز والسدود

عين فى الجنة يقول...

استاذ فارس
بداية عندى ملحوظة واحب اشد ودن حضرتك عليها بخصوص كلمة ولى بمعنى انقضى تكتب هكذا ( ولى ) وليس ( ولا ) كما تفضلت حضرتك وكتبتها
وبعدين بخصوص موضوع الفهم كان نفسى اساعدك لكن موش عارف ازاى
نورت المدونة

عين فى الجنة يقول...

dodda
الله ده انتى اروبه بشكل ، لسة فاكرة صاحبى لما كان بينام على الكنبة
ايوه هو بعينه
واكيد المهنة بتشكل خلفية ثقافية لكل انسان
اشكرك ولكى كل الود

حسن ارابيسك يقول...

باشمهندس راجي
الحقيقة مدخل القصة كان رائع جداً مما جعلني اعتقد وبلا شك ان هناك مأساة قادمة في السطور التالية وان هذا الرجل وراه حكايه بل تراجيديا عالية لتخلق نوع من التقابل بين خواء البيت وبين التراجيديا القادمة في السكة ولكن طبعاً لم يحدث هذا ووجدت مشكلة عادية جداً قد تحدث لكثير مما جعل القصة تتدحرج للأسفل ولاتعلو بنا في حدث غير عادي ومع ذلك لاانكر انني استمتعت هذه المره هنا بقصة لغتها جميلة جداً وبسيطة وايقاع سلس بشكل اخراج سينمائي من مدخل الفيلا لقطات مختلفة لمشهد واحد ولم يحدث قط وهذا دائما مايحسب للأخراج طالما انه لاتوجد مشاهد اخرى تستحق القطع في المونتاج لذلك لم استشعر القطع الا في مرحلة الدخول في حياته الخاصة
لن انسى بالمناسبة الوصف الحرفي للتصميم الداخلي فالمهنة تغلب احيانا في الجانب الشخصي للمرء وبالمناسبة واضح اننا نعرف نفس المصلطحات الفنية للتصميم الداخلي وكذلك أماكن الحرفيين .
تحياتي
أرابيسك

فارس عبدالفتاح يقول...

اتقدم بالاعتذار واشكر حضرتك على التصويب وانا فعلاً اخطأت ولم انتبه الى هذا الامر .

واقدر لكم مشاعركم النبيلة تجاهي وجهدكم الملموس لايصال الفكرة لي لكن دون جدوى


فارس عبدالفتاح .. قومي عربي

عين فى الجنة يقول...

الباشمهندس حسن الفنان
صديقى هذا معبأ بكم من المتناقضات غير عادى ولهذا احبه واشفق عليه و لقد صبر على اهانات زوجته له لسنوات لا يطيقها انسان ، وازعم ان القرار الذى اتخذه بترك منزله هو ذروة الدراما فى هذه القصة وقد اكون لم اوفق تماما فى التعبير عن هذه التراجيديا الانسانية التى قد نمر عليها ولا نلتفت الي ما تمثله من اشكالية الجبرية فى الحياة التى تؤدى بك الى دروب ونهايات مهما حاولت تجنبها فانك لن تفلح
ويكفينى فى هذا الصدد انى كنت كمهندس كالاناء الذى ينضح بما فيه بدون تعمد ولا قصد
وتقبل شكرى

عين فى الجنة يقول...

استاذ فارس
لاشكر على واجب
تحياتى

Amira يقول...

أرى دوما في حكايات الناس العادية ماهو أجمل من خيالات الكتاب
نقطة واحدة أردتك أن تزيدها إيضاحا
أسباب علاقته المتوترة مع زوجته من وجهة نظره .. هو .. كما رواها هو

و أنت تصف الفيلا
ذكرتني بشخص ما أعرفه .. بنى بيتا رائعا اهتم بكل تفاصيله .. بعد سنوات طويلة من الغربة
و بالفيلا كان هناك سلم داخلي.. كان يحلم أن تنزل ابنته الكبرى عليه من اجل عريسها

و أراد الله أن تخطب ابنته أثناء طلاقه من زوجته

تلك هي الحياة الحقيقية
حفنة من التفاصيل المتناقضة .. نقبض عليها بأيدينا و تذروها الرياح في ما بعد

ليتك تركته يتزوج جارته
:)
لا بأس من أن نخالف العقل و نعيش لمتعتنا و لو قليلا

بالقطع أمزح
لكني أرى أن كل مسئول عن اختياره
و أحترم دوافع أيا كان

تحياتي