لم يكن بينى وبين السفر الى لندن الا الكذب والاصرار على انى لست الا سائحا اسافر الى هناك لانفاق النقود وليس لاكتسابها ، وشعرت بالاهانة كسكين بارد غاص فى قلبى واظهرت له عدم الاكتراث به وبانجلترا بتاعته وليذهبا معا الى الجحيم
سرت على قدمى من جاردن سيتى حتى شارع طلعت حرب وشعرت بالجوع فوقفت امام عربة الكبدة والكفتة التى كانت على ناصية التقاطع مع الشارع المؤدى الى قصر النيل ، ممسكا بالساندوتش فى يدى ، استدرت واقفا على الرصيف فأصبحت فى مواجهة لافتة القنصلية الفرنسية مباشرة
غرقت فى تيار من الافكار وانا التهم ساندوتش الكفته ماذا اعرف عن لندن ؟ ان فيها ساعة وستمنستر الشهيرة وهايد بارك وانها باردة ضبابية طول العام ، طيب
وماذا اعرف عن باريس ؟ هنا بدأ فيض من لقطات افلام كيلود ليلوش وبرجيت باردو واغانى كلود فرانسوا وجونى هاليداى وميريل ماثيو والقصص التى قرأتها عن الفرسان الثلاثة واحدب نوتردام ووداعا ايها الحزن وسارتر وسيمون دي بوفوار والبير كامى ومظاهرات الطلبة فى الستينات واندريه مالرو وكتب طه حسين ورفاعة الطهطاوى وبرج ايفل ( من فضلك لا تقول ايفيل مثل ترجمة كلمة شر بالانجليزية ) ومسلة الكونكورد والشانزليزية وحى مونمارتر والكارتى لاتان ،،،
عبرت الى الجانب الاخر ودخلت القنصلية وطلبت الفيزا وبعد عشر دقائق وبدون اى مقابلات او اسئلة استلمت وثيقة السفر وعليها خاتم فرنساوى جميل ست اشهر سياحة تبدأ من تاريخ الدخول الى الاراضى الفرنسية
ذهبت الى امى وقلت لها لن اذهب الى لندن بل سأسافر الى باريس ولا اضمن ان ارد لكى نقودك لان لغتى الفرنسية اقل بكثير من اللغة الانجليزية التى كنت اعتمد على انى احسنها فى العمل فى لندن وليس لى اى معارف او اصدقاء فى باريس
وهكذا سافرت الى عاصمة النور اجمل مدينة على وجه الارض على الاطلاق واعتقد انها ستظل كذلك الى يوم البعث
واليوم والامطار تنهمر على القاهرة والشمس قد احتجبت تذكرت هذه الاحداث من الماضى البعيد وقلت لنفسى شكرا ايها الثعلب البريطانى على سؤالك الخبيث