استلم الحجر الاسود على يساره ثم بدأ الطواف وسط الزحام وعلى الفور اختنق صدره واغرورقت عيناه ثم اجهش فى بكاء بصوت عالى لم يلاحظه احد فقد ضاع فى ضجة الحجيج
عاودته الذكريات الاليمة شاهد كل شيء امام عينيه ، اول مرة يراها كانت فى الشارع العمومى ولفتت نظره بملابسها الجميلة والابتسامة الغريبة على شفتيها
ثم التقيا مرة واحدة فى مقهى قالت له بعدها انه لم ينال اعجابها وانهم غير لائقين لبعض فجن جنونه ، طاردها حينا ثم اختفت وانشغل فى عمله ثم سافر بعيدا وعاد بعد عامين ليجدها مرة اخرى امامه فى نفس الشارع
رحبت به واستشعر فى عينيها الماكرتين سعادة بلقائه ، جلسا فى المقهى وتحدثا طويلا ثم سافر مرة اخرى فنسيها الى ان ارسلت له ذلك الخطاب المشئوم ، فرح بالخطاب فقد حمل له دعوة صريحة للتقدم لها للزواج وكانت قد انتقلت لتعيش مع اسرتها فى بلد اخر ، اتصل بوالدها واتفقا على موعد وسافر اليهم وبسرعة تمت الموافقة على الخطبة ثم بدون تريث من جانبه اشترى لها ذهبا وماسا ودارت العجلة بسرعة وهو يلهث من بلد الى اخر ومن فندق الى اخر ومن سوق الى اخر ومكالمات دولية طويلة باهظة وهدايا لها ولاسرتها و مباريات شطرنج مملة مع اخوها ثم حفل الزفاف الكبير والموسيقى والاضواء والحلوى والاقارب والاصدقاء وهو يلهث والدقائق تمر عليه ثقيلة بطيئة وهو ينتظر ان ينتهى كل ذلك وتتوقف العجلة عن الدوران ويغلق عليهما الباب لبتعدا عن كل الناس وكل هذا الصخب
فى هذه الليلة كتب له ان يرى عذابا شديدا زلزل كيانه واسلمه الى ضياع غير مسبوق فقد كانت غير عذراء ، جلس فى شرفة غرفة الفندق الفاخر ينظر الى ظلام الليل مهزوما محطما فجلست بجانبه تتصنع الاستغراب من سلوكه هذا ليلة زفافهما ففقد القدرة على الكلام
وكانت العجلة الجهنمية لاتزال تدور ففى الصباح سوف تحلق بهما الطائرة الى تلك الجزيرة الاوروبية لقضاء الهنى موون و هناك كانت هى سعيدة منطلقة بين شواطيء الجزيرة واسواقها وهو يتبعها كعبد فى يدها حبل مربوط حول رقبته تشده حين تشاء وتهمله كيف ارادت
كانت تصرخ من فرط اللذة عند اللقاءات الحميمية فيرى جيرانه فى الغرف المجاورة فى الصباح يتغامزون ويتهامسون اذا مروا بجوارهما وكانت تقبل على الطعام فى نهم وشهية وتفرض عليه قواعد الاتيكيت فيقف خلف المقعد فى المطعم يسحبه لها ويجلسها اولا ثم يجلس بعدها وهى تختار الزاوية التى تستطيع منها مراقبة كل الناس فى قاعة الطعام بينما يعطى هو ظهره للقاعة ولا يرى سواها فتقول له من فضلك لا تطيل النظر الى هكذا ، واذا مشيا الى السوق فأخذت يده فترك يده لها قالت له لماذا لا تقبض على يدى بيدك الا تغير على من الناس فيهز راسه غير مصدقا ما يحدث له ويتمنى ان يستيقظ من هذا الكابوس
بدأت تشاركه لفافات التبغ على استحياء اولا ثم اصبح لها علبتها الخاصة وكانت احيانا تقترح ان يشربا نبيذا مع وجبة العشاء
ثم سافرا معا الى البلد الذى يعمل به فانقلبت حياته الى جحيم فهو لا يطيق فكرة ان يتركها وحيدة فى المنزل فيتصل بها واذا حدث انها لم ترد على الهاتف يترك عمله ويسرع الى المنزل ليأكد من وجودها واذا خرجا سويا شعر ان الرجال يراقبونها ويتمنونها وانها تشجعهم بابتسامتها التى لا تفارق شفتيها
رفض فكرة الانجاب تماما وساق لها كل الحجج وكان حريصا بشدة على ان تواظب على حبوب منع الحمل وكان احيانا يأخذ الحيطة من جانبه بوسائل اضافية
وبعد عدة شهور وقد اصبح قلبه خربا وعقله مشوشا استيقظ فى الفجر فتوضأ وصلى ركعتان ذاب فيهما وبكى ودعا الله واقترب ، فى الصباح اخبرها انه قرر اداء فريضة الحج هذا العام وانه يود لو رافقته ليتطهرا سويا ويعيشا حياة جديدة
رفضتت بشدة وبهدوء حجز لها فى اول طائرة متجهة الى حيث تعيش اسرتها
افاق من ذكرياته وهو يطوف بالبيت العتيق على الوكزات التى كان يتلقها من الحجاج الافريقيين الذين يطوفون معه فتوقف عن البكاء وانخرط فى المناسك
عاد الى البلد التى يعمل فيه بعد اداء الفريضة وفى اليوم التالى ذهب الى السفارة وارسل لها ورقة الطلاق